بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَََ
الصّفحة العربيّــة
Português - Brazil Espanol - Chile Français English
مفتاح علوم السرّ في تفسير سورة و العصر

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مفتاح علوم السّرّ في تفسير سورة و العصر

تأليف الإمام الشيخ أحمد ابن مصطفى العلاوي ـ قدّس الله سرّه ـ

 

 

الحمد لله الذي جعل من آيات أوليائه ما يجري على ألسنتهم من المعارف، ويُتحِفهم به من اللَّطائف، و الصّلاة و السّلام على أشرف أنبيائه و أعزّ أوليائه سيِّدِنا محمّدٍ و على آله و صحابته، و على جميع أمّته، المستقدمين منهم و المستأخرين .. آمين.

أمّا بعد فيقول عبد ربّه ابن عليوة، سدّد الله فعله، و عظّم أجره: إنّهُ قد كان سألني بعضُ العلماء الأعيان أمطر الله على قبره سحائب الغفران، أن أبسط له بعض الحديث في شأن ما يتعلّق بسورة "و العصر" على طريق الفهم الخاص. و بناءً على ما له من حسن الظَّنّ فينا، أسعفنا رغبته و لبّينا دعوته بهاته الجملِ القصيرة، و إلاّ فمِن أينَ لنا و الإحاطة بمعاني البحر الغزيرة. و كان مجمل ما كتبناه فيها من قبل لا يزيد على بضعة أوراق. و قد طُبعت بمدينة تونس بواسطة أحد الأصدقاء المشغوفين باستطلاع الحقائق و انتقاء الرّقائق. و بمناسبة انقضاء ما تحت أيدينا من نُسَخِهَا، مع استمرار الطّلبِ من عشَّاقِها و اشتدادِ رغبة المُريدين في مطالعتها، تجدّدَ لنا العزم على أن نقدّمها للطبع مرّة ثانية، مع زيادة جُمل طفيفة عن الأصل، التي لا تخرج به عن الإختصار، حرصًا على فائدة المريد. فإن أصبتُ, فالإصابة من الله، و إن أخطأتُ، فلستُ بأوّل الخاطئين، و الله يعلم أنّي لستُ من المعتمدين. و إلى المريدين بعض ما فهمته. قال تعالى بعد:

بسم الله الرحمن الرحيم

و العصر

قُلتُ: ـ هو قسم من الله تعالى، جيَْ به لتأكيد خسران الإنسان، زيادة على ما يتلوه من بقيّة المؤكِّدات كحرفِ إنّ و اللاّم. وحكمة إتيانه تعالى بالمُؤكّدات تُفيد كون الإنسان يجهل خسرانه، و يبعُدُ أن يُدركه، ما دام لا يشعر بحقيقة ما كان عليه قبل تعلّقِ الرّوح بالجسد المعدِنِيّ. أمّا لو تصوّر ذلك عندما كان جوهرا خالصا، متخلّصا من عموم المواد و سائر لوازم الفساد لاعترف بخسرانه، بالنّظر لما هو عليه الآن. و من أين له أن يُدرك ذلك و هو مكبول بشهواته، مسجون في ظروف طبيعته. و تلك الحالة هي أبعد المراتب و أقصى الغايات التي تبعد به عن نيل سعادته الأبديّة. و كذلك يبقى ما دامت بصيرته لم تنفذ إلى ما وراء هذه الظروف المحدقة به. ولكن لا تنفذُ إلاّ بِصريحِ برهان " فَنْفُذُوا لاَ تَنْفُذُون إلاَّ بِسُلْطَانٍ ". و إذْ ذاك يُدرك خسرانه بالنّسبة لِما كان عليه قبل تعلّق الرُُوح بالبدن. و لو تخيّل ذلك لما احتيج للتّوكيد.

ثُمّ العصر المُقسم به حمله المفسِّرون على محامل، و أنْسبُها لما في نفس الأمر على أنّه الدّهر، على ما رواه ابنُ العبّاس رضي الله عنهما، ووجه القسم به أنّه أغرب الموجودات مطلقًا، و من غرابته ما رُوي عنه صلّى الله عليه و سلّم أنّه قال: " لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإنَّ الدَّهْرَ هُوَ اللهُ " أخرجه الطّبرانِيّ عن أبي أمامة بإسناد حسن و في رواية "لاَ تّسُبُّوا الزَّمانَ، فَإنَّ الزَّمانَ هو الدّهرُ، و الدَّهْرُ هُوَ اللهُ".

ونحن مهما أعطينا طرفا من الإهتمام لهذا الأثر إلاّ و خرج بنا الوهم عمّا نعرفه من معنى الدّهر، الَذي هو عبارة عن الوقت المقرون بحركة الفلك، لأَِنّه متولّد عن حادث، و المتولّد عن الحادِث أحرى بالحُدوث من أصله، و ذهب بنا إلى شيْ أبعد ممّا نتخيّله من معتى الدّهر، و ألقانا في محيط امد حين لا امد، وهناك ينقلب الفكر خاسئا و هو حسير. أو هناك نعلم أنّ المراد بالدّهر هُوَ غيرُ ما نعلمه من الدّهر الذي هو عبارة عن المادّة الزّمنية المتكوّنة من جُزْأَي اللّيل و النّهار. و كيفما كان الحال، هذا الذي نعلمه من الدّهر لا يُعْدمُ حظّه من شعاعِ تلك الحضرة المُسْتَرْسلَة الوجود أزلا و أبدا. أعني ممّا لا نهاية لأزليّته إلى ما لا نهاية لأبديّته. و بالنّظر لذلك الإسترسال الغير متناهي، و الذي لم يسبق لبدْئه بُدٌّ، فهل يكون ما نعلمه من الزّمان متلاشيا في تلك المادّة ذات الوجود الصّرف؟ أم له طرف في الإستقلال؟ و على الفرض الثاني فالعقل لا يستطيع أيضا أن يُثبِت له نظير ما لغيره من الموجودات، من جهة كون الماضي منه و المستقبل معدومين. و الحاضر منه جزء لا يتجزّء، و هو القدر المتنازع بين الماضي و المستقبل. و إذن فهو أدقّ شيء عن ملامسة الوهم له. و ذلك هو مقرّ وجود الإنسان فيه. وهاته النّظرة هي التي لا يكاد الإنسان يُعطيه بها رتبةَ الوجود. أمّا إذا نظرنا على تطوّره فصولا، و انقسامه شهورا و أيّاما وأعواما، واعتبرناه محكوما عليه بالإقبال و الإدبار، و الزّيادة و النّقصان، خرج بتجسّمه ذلك عن دائرة الوهم إلى ما يُثبته الحِسّ، و تعترف بوجوده النّفس. و من تلك الحيثيّة لا يتردّد العقل في إثبات الوجود إليه، و لا في كونه حادثا و ظرفا للمحدثات، و لا في كونه ذا دواهي و خطوب و طواريْ و تقلّبات، و بالنّظر لما يترتّب على ذلك من المظانّ رتّب الشّارع نهيًا لمن يقصُد تنقيصه بقوله: "لا تسبُّوا الدَّهرَ فإنّ الدّهر هو اللهُ".

 

و بالجملة فإنّ الغرابة لا تنفكّ مصحوبة للدّهر لا من جهة إسمه، و لا من جهة كنهه، و لا من جهة نوائبه. فقُل ما شِئت أن تقول، فإنّ الغموض فيه ذاتِيٌّ. و من وُجوه غرابته أنّه كان يقسم به عليه الصّلاة و السّلام أحيانا. و في خبرٍ عن عائشة رضي الله عنها أنّه كان يقراُ و العصر و نوائب الدّهر.

على أنّي لا أقول: إنّها كانت قراءة لاحتمال أن يكون ما بعد العصر تفسيرا له.

 

ثمّ نرجع الآن لما يعطيه الفهم من ظاهرالآية على التّقريب فأقول: إنّ الألف و اللآّم في الإنسان هُما للجنس. و المعنى تفيدُ كون جنس الإنسان من حيثُ هو محكوم عليه بالخسران إلاّ المستثنى من ذلك، و هو خبر صدق من الله جلّت عظمته، و إن كان الإنسان يجهل وجه خسرانه، الأمر الذي يتعيّن بسببه استجلاب عدّة مؤكّدات التي منها اللاّم و إن و الظرفيّة و إسميّة الجُملة و القسم، و هو أعلى درجات التّوكيد. كلّ ذلك يفيد بأنّ الإنسان غير شاعر بخسران نفسه، و لا هو خاليُ الذهن أيضا. و إلاّ لما احتيج لاستجلاب نظير تلك المؤكّدات، كما يستفادُ أيضا من سياق الآية. إنّ الإنسان في منتهى غاية الخسران في حال أنّه لا يشعر بشيء من ذلك الخسران بما زُيِّن له من سوء عمله، و تحكّم شهواته، حكمة من الله: "وَكَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ"

 

أمّا وجه الخسران فقد يبعد أن يتصوّره الإنسان، على ما هو عليه، إلاّ بعد مقارنته بحالته الحاضرة، أعني حياتَه العنصريّة مع حياته الرّوحانيّة قبل تعلّق الرّوح بالبدن عندما كانت الرّوح تسرح بين أفراد الملأِ الأعلى، و تسبح في محيط أنوارٍ يبعُدُ كلَّ البُعد عن ملابسة الأغيار.

 

كانت الرّوح في كرامة عظيمة، و حالة جسيمة، تتلقّى نِداها من الله من غير واسطة. و تجيب جوابا خاليا من كلّ شبه. و لم تفقُد حظّها من تلك الكرامة، و لو بعد هبوطها و تعلّقِها بأوّل جسمٍ للإنسان. فإنّه توّجها بتاج العلم، و كلّلها بإكليل الفهم، و علّمها ما لم تكن تعلم. كفاها أنّه أسجد لها الملائكة و عموم الأرواح كالذرّ في ظهر آدم. غير أنّ الرّابطة بالجسم أكسبتها صبغة غير التي كانت عليها. فلم يشعر الإنسان إلاّ و هو نوع من أنواع الحيوان، يعمل بحكم الطّبيعة داخل الجنس العام. و شتّان ما بين المرتبتين، و بَعُدّ ما بين الحالتين؛ أعني حال الإنسان الأوّل و حال الإنسان الثّاني، على ما يقتضيه النّور الشّاسِع بين الرّتبتين، حتى كأنّه لم يكن هو، و ليس بمستبعد إن قُلنا إنّ الإنسان الأوّل هو غير الإنسان الثّاني، مهما كان يُطلَق لفظ الإنسان على معنيين؛ أحدُهما هو هذا الإنسان الذي نعتبره أحد أنواع الحيوان المشهود بالحسّ المُدرك باللّمس، المخصّص بالفصل من الجنس.

و الثّاني له لوازم و خصائص تجعله في الحيّز المقابل للأوّل، المسمّى بالإنسان المحسوس، و الثّاني بالإنسان المنقول، أو نقول الأوّل يُسمّى بالإنسان الحيواني، و الثّاني بالإنسان الرّبّاني، و ليس الشّان أن يكون الإنسان حيوانيا، و لكنّ الشّأنَ أن يكون ربّانيًّا. قال تعالى: " وَ لَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتَابَ وَ بِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ". و متى يكون الإنسان ربّانيّا؟ يكون إذا سافر من ظاهره إلى باطنه، و ارتقى على كاهل نفسه، لينظرما حجب عنه من شرفه و عُلوّه، و هناك يجد سِعة و ملكا كبيرا، حتّى إذا عرف ما فُطِرَت عليه نفس الإنسان، و ما كان عليه في عالم الإحسان، يقول قدْ أوتيتُ مُلكا لم يُؤتهُ أحد من العالمين. و تلك هي السّعادةُ الأبديّة. و إلى ذلك يُشير الإمام عليّ بقوله: " خُلِقْتُمْ لِلأبدِ ". و هذا الإنسان المبهمُ الكنه، المعرفُ شأنه برفع المَنزِلَة هو المخلوق في أحسن تقويم، و الثّاني هو المرجوع به إلى أسفل سافلين. الأوّل هو المُشار إليه بقوله تعالى: " وَ لَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ". و الثّاني هو المعني بقوله: " ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ". و عليه فالإنسان الأوّل هُو مخلوقٌ غير مصوًر. و إليه اللإشارة في حديث: "خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ" فإنّه لم يقُل تعالى صوّر الله آدم على صورته، لأنّ الخلق كان قبل وقوع الصّورة، و المخلوق على صورته لم تكن له صورة، و إذن لا صورة في الواقع، لا للإنسان الأوّل، ولا للمخلوقِ على صورته. و بهذا الأُنموذج تُدرِكُ كون الإنسان ضاع له من معرفة نفسه بقدر ما ضاع له من معرفة ربّه. نال ذلك بسبب نسيانه لِما كان عليه " نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ".

 

و بالجملة فإنّ خسران الإنسان تسبّبَ عن ظنّهِ كونُهُ هو بالجسم إنسانٌ، و في استطاعته الآن أن يتدارك ما فاته من عزّه، و ليس ذلك إلا أن يكون بالرّوح إنسانا.

 

و أمّا مجيئُه ظرفا للإنسان فهو لإفادة الإحاطة بعُموم أفراده إلاّ المُستثنى المُشارُ إليهم بقوله: " إلاَّ الّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ " و قليل ما هم أعني من تتوفّر فيهم تلك الخِلال الكريمة، و النُّعوت العظيمة التي تضمن لهم السّعادة الغير المشوبة بِأدنى شقاوة، لا في العاجل و لا في الآجل، بِما أنَّ الإنسان قد يُؤمن و لا يعملُ الصَّالحات، و قد يعمل الصّالحات و لا يتواصى بالحقّ، و قد يتواصى بالحقّ و لا يتواصى بالصّبر عليه.

أمّا الخلاص النّهائي لا يتحقّقُ و لا يُتصوّر بمعناه اللاّزم إلاّ باسْتِجْمَاع تلك الخِصال الأربعة، و هي الإيمان و الأعمال الصّالحة و التّواصي بالحقّ و التّواصي بالصّبر عليه.

أمّا إذا فات الإنسان ـ و العياذ بالله ـ حظّه من الإيمان في هاته الحياة الدُّنيا فقد خسر خسرانا مبينا، يجعله يقول يوم يرى سعادة السّعداء بالنّظر لشقاوة الأشقياء: يا ليتني كنت ترابا.

أمّا إذا نال حظّه من الإيمان في هاته الدّنيا القدرُ الذي يفصله عن محيط الكفران بالله و رسوله، فقد يتقدّم بذلك شوطا غير قصير في سبيل سعادته، و نيل بغيته، و لكن لا تثبت أقدامه في ذلك الدّور إلاّ بالأعمال الصّالحة، و الأعمال الصّالحة هي جنسٌ يدخل تحته أفراد كلّ فعل محمود، و يخرج معه كلّ فعل مذموم. و هذا الدور يعتبر أرفع درجة في نيل السّعادة. غير أنّه لا تستقرّ أقدام صاحبه استقرارا تامّا إلآّ مع التّواصي بالحقّ، و من لم يتواصى بالحقّ قلّ أن يصبر في طريق الحقّ، بناء على أنّ رأس الأعمال الصاّلحة هو الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. و من لم ينهَ و يأمر يُخشى عليه يوما من الأيّام يُصبح فيه لا يُنْتهى ولا يُؤتمر.

 

و لمّا كانت هاته الخصال ـ أعني قول الحقّ، و ملازمة الحقّ، و التّواصي بالحقّ ـ في الغالب تجلُب لصاحبها من الأذى ما قد تكرهه نفسه، قرنها تعالى بالتّواصي بالصّبر. فمن لم يتدرّع بالصّبر قلّ أنْ يثبُت في مقام الدّعوة إلى الله عزّ و جلّ، و يشعرُنا بهذا وصيّة لُقمان لإبنه فيما أخبر القرآن الكريم به، حيث قال: " وَ أمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَ أنْهَ عَنِ المُنْكَرِ وَ اصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ "، يعني من خصال ذوي العزم.

 

و خلاصة القول أنَهُ يدخُل في التّواصي بالحقّ، الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر كما تقدّم؛ و يدخل في التّواصي بالصّبر حملُ الأذى و كفّ الأذى. و هاته الأخلاق الكريمة توجد في الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام بالسّجيّة، و في غيرهم من بقيّة المرشدين رضي الله عنهم بضربٍ من التّكلّف، غير أنّ الكُلفة تهون بقدر الوراثة النّبويّة " العُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ "، فهذا هو متروك الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام، و ذلك هو حظّ العلماء منهم. فليتأمّل المُتّصِفُ بالعالميّة حظَّه من ذلك الإرث و مقدار توجّهه و إخلاصه و نُصحه لله و لرسوله و للمؤمنين، فإن وجد في اخلاقه ما يُثبِتُ له نصيبا من ذلك الإرث فقد وجد فليلزم، و إلاّ فهو مقطوع السّبب، فينبغي له أن يلتجئ لمن يربط سببه، و يحقّقُ له وصلته، قبل أن تختم أنفاسه و هو على ما هو عليه، فيحشر على ما مات عليه، على أنّه ليس بعد هذه الدّار إلاّ الجنّةُ أو النّار، أعاذنا الله و المسلمين من سوء القرار.

 

و إذن فأوجبُ ما يجب على اللإنسان أن يتسارع في خلاص نفسه بما تبرأُ به ذمّته عند الله عزّ و جلّ. و لا تبرأُ ذمّة المؤمن على الوجه الأكمل إلاّ إذا أحبّ لأِخيه ما يحبّه لنفسه. و هذا هو الباعث الوحيد و المساعد الأكيد للمرشد على بدل النّصيحة في ذات الله؛ لأنّه يُحبّ لنفسه النّجاة المقرونة بالفوز الأبديّ. و إذا متى يصفو له الوقت أو يطمئنّ فؤاده و هو يرى أبناء جنسه و أهل ملّته على ما هم عليه، في حال أنّه يحبّ لهم ما يحبُّ لنفسه؛ عملا بما في الحديث الشّريف لا يكون المؤمن مؤمنا حتّى يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه.

 

و بالجملة، فإنّ جهاد هذا النّوع من بني الإنسان مُتواصلٌ، و هو شيْ يبعثُ عليه الإيمان الكامل كما قدّمناه. جعلني الله و إيّاكم مِنَ الذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ تَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَ تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ.