بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَََ
الصّفحة العربيّــة
Portugus - Brazil Espanol - Chile Français English

حياة الشيخ مولاي أحمد بن مصطفى العلاوي بقلمه

الصّفحة 5

وبعدما استقر الجلوس بتلك الجماعة وتحدثنا مليّاً، وكنت أرى لوائح المحبة تظهر عن سيماهم، وقد طلبوا مني الحروج معهم والذهاب إلى حيث يشاءون، ولم يتركوا جهداً حتى أخرجوني معهم، وأنزلوني بمحل أحد الأصدقاء، وهكذا كنت عندهم مكرماً معززاً، وبالجملة فإني ما رأيت من تلك الجماعة إلا الجميل، جزاهم الله خيراً، وكنت مدة مُكثي بتونس تتوارد علي أفراد الفقهاء والفضلاء، وكانت تحصل مذاكرات ومفاهمات في عدة نوازل، ومن جملة من عقلت من أسماء الفقهاء الذين اجتمعت بهم حضرة المحدث الشيخ سيدي (الأخضر بن الحسين) وحضرة الشيخ سيدي (صالح القصيبي) والمدرس الشيخ السيد (احسونة الجزائري) وهكذا عدة طلبة منهم مطوعون ومنهم دون ذلك، وقد دخل الطريقة جماعة من القسم الأخير، وقد كان اقترح علي بعض الطلبة أن أجعل لهم درساً في "المرشد المعين" وأبسط لهم كلاماً فيه من طريق الإشارة، فكان ذلك في قول المصنف :

وجوده له دليل قاطع * حادة كل محدث للصانع

فوقع ذلك موقعاً حسناً عند السامعين، وكان هو السبب في تعلق بعض الطلبة بالطريق، وهكذا قضينا تلك المدة بين الذكر والتذكير، وقد انتفع البعض فالحمد لله بتلك الزيارة.

أما مسألة طبع "المنح القدسية" فقد كنا تعاقدنا مع صاحب مطبعة السيد (البشير الفورتي) بواسطة رفيق كان يُدعى الشيخ سيدي (محمد الجعابي) وقد كنا نجتمع بهما على أحسن وداد وأتم ملاطفة، وهذا هو الحامل لنا على عقدنا مع تلك المطبعة، مع علمنا أنها كانت في ذلك الحين ضعيفة المواد، وبتلك المناسبة لم يقع تنجيز الكتاب في الوقت المتفق عليه، فألجأتني الضرورة إلى أن أتركه لمن يقوم به ونذهب، وعندئذ قصدت مدينة طرابلس الغرب، لزيارة أبناء عمنا كانوا مهاجرين بها، وكانت سببا في اللحوق بهم حسبما تقدم، فظهر لي أن أغتنم الفرصة في الحلول بذلك القطر، حيث أن رخصة السفر كانت بيدي، وقد تحركت في ذلك الحين داعية الزيارة لبيت الله الحرام وللقبر الشريف على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، ومن سوء الحظ ورد عليّ كتاب من مستغانم في ذلك الحين يخبر أن الحج ممتنع، ويحذرني من الوقوف في تلك السنة بما يعود علي من العقوبة، وعلى كل حال ركبت الباخرة منفرداً إلى مدينة طرابلس، وكان الفصل فصل شتاء بارد، وقد لحقتني بسبب سفري فيه متاعب، وما انشرح صدري إلا يوماً واحداً كنت أتفكر في قوة ذلك الخلق الذين غصت بهم الباخرة من الحربيين وغيرهم، وقلت :"هل يوجد بين هؤلاء رجل ذاكر؟" فلم تمر علي مدة حتى وقف على رأسي أحد المسافرين، وأخذ يحدق بنظره إلي ويتفرس، ثم قال لي :"أليس أنت الشيخ سيدي أحمد بن عليوة؟"، فقلت له :"من أنبأك؟" فقال :"كنت أسمع بك، ومنذ حين وأنا أتفرس فيك، وقد ظهر لي الآن أنك أنت ذلك الرجل"، فقلت له :"نعم"، ثم انفصلت من ذلك المحل إلى محل آخر وسألته عن إسمه فقال (الحاج معتوق) وعندما أخذنا في الحديث وجدته من العارفين بالله، فقلت له :"هل لك مؤازر في بلدك؟" فقال لي :"أنا من مدينة جربة منفرد بهذا الفن" فمرت تلك المسافة على أحسن ما ينبغي إلى أن نزل في مدينة جربة ونزل من معه، فعدت لما كنت عليه من الإنقباض على ما يقتضيه الإنفراد وسفر الشتاء، إلى أن نزلت بمدينة طرابلس فوجدت أبناء العم في انتظاري بالميناء، وكان كل منا يترقب وقوع بصره على أخيه لما لحق الجميع من الأسباب التي قضت بتفريق الشمل، وعندما دخلنا المنزل واستقر بنا الجلوس، وتفاوضنا في شؤون الهجرة وما هو من ذلك القبيل، فأخبروني أنهم في أمان الله من جهة شؤونهم المادية، أما البلاد فقد ظهر في ذلك الحين أنها صالحة للإنتقال، بما أن أهلها أشبه حال بأبناء وطننا لغة وأخلاقاً، وقد كنت سألت في ذلك الحين وأنا بالمنزل عند المغرب أبناء العم : هل يعرفون هناك أحداّ من الذاكرين أو من المشايخ العارفين؟ فقيل أنهم لا يعرفون إلا واحدا من المشايخ الأتراك كان يُدعى (الشيخ أحمد) وهو رئيس في إحدى الدوائر الرسمية ويتوسمون فيه رائحة الصلاح، فقلت لهم :"هل يمكن الإجتماع به في الغد؟"، فبينما نحن في ذلك الحديث وإذا بطارق يطرق الباب فخرج أحد ثم رجع قائلاً :"هاهو الشيخ واقف عند الباب يستأذن الدخول عندكم" وما كان قبلُ يأتيهم إلى محل سُكناهم، فقلت لهم :"أدخلوه"، وإذا هو رجل طويل القامة طويل اللحية متزي بزي الاتراك لباساً وهيئةً. فقال :"السلام عليكم"، فقلنا "وعليكم السلام ورحمة الله". وعندما أخذ مجلسه قال :"إن أحد المغاربة يقول في تجلي الإله ويعني به الششتوري بقوله :

محبوبي قد عم الوجود * وقد ظهر في بيض وسود

الصفحة 5 من إجمال 6

الصّفحة الأولى << الصّفحة السابقة الصّفحة التالية >> الصّفحة الأخيرة