بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَََ
الصّفحة العربيّــة
Portugus - Brazil Espanol - Chile Français English

حياة الشيخ مولاي أحمد بن مصطفى العلاوي بقلمه

الصّفحة 4

ثم أعود لما كنت بصدده فأقول: بعدما أخذنا وديعة الأستاذ رضوان الله عليه، أخذت الاحبة في تجهيزه، ثم دفن بزاويته بعدما قدمت في ذلك للصلاة عليه، أمطر الله على قبره سحائب الرحمة وجلائل النعم، وبعد تلك المدة بأيام قلائل ورد عليّ خبر من أصهارنا بمدينة تلمسان يقولون فيه أن زوجتكم في أشد مرض، فذهبت إلى تلمسان وعندما وصلت وجدتها على آخر رمق، وكانت متدينة بارة حسنة المعاشرة، وبعدما مكثتُ معها نحو الثلاثة أيام انقضى نحبُها، وانتقلت شهيدة إلى عفو الله. رجعت إلى مستغانم حالة كوني فاقد الأستاذ رضي الله عنه، والزوجة، وما بيدي من الأثاث وأسباب المواد مع فقدان رخصة السفر، لأنه انقضى أجلها. وبعدما ذهبت للحكومة لتجديد الرخصة سوفتني أياماً، ثم وعدتني على أن تكون لي بانفرادي بدون الأهل، وهكذا وعدوني وفي مدة رجاءي لصدورها كان رجال الطريق عندنا تتفاوض فيمن يقوم بشؤون الفقراء، أما أنا فما كنت أحضر إلى مفاوضاتهم، بما أني مستسلم لما يُريدون، تابع لما يُشيرون، وثانياً كنت غير ساكن البال من جهة المكث بهذا الوطن، فقلت لهم : "لكم أن تصدروا من شئتم لهذا الأمر وأنا معاضدكم"، بما أني كنت على علم أن في الجماعة من هو على استعداد، وعندما وقع من الفقراء عند اجتماعهم نوع محاكمة يُشم منها رأئحة التباين، لأن كل واحد يُبدي من نظره بما يراه إصلاحاً، وكل ذلك لعلمهم بعزمي على الإنتقال. فقال المقدم ولي الله سيدي الحاج بن عودة بن سليمان :"فلا بأس لو تركنا الإجتماع للأسبوع الآتي، ولكن من رأى من الفقراء رؤيا فليخبرنا بها"، فاستحسن الجميع هذا الإقتراح، وما تم الأجل المضروب حتى توالت المرائي، وبلغت لعدد وافر، وكلها سُطرت في ذلك الحين، وما من رؤيا إلا وهي صريحة الدلالة في كون الأمر متوجهاً إليّ، فاشتدت عزيمة الفقراء على أن يُلزموني المُقام بين أظهرهم، والإشتغال بوضيفة التذكير، وبما أنهم يعلمون أن النية لا تتحول من جهة السفر، ألزموني أن أقوم بشؤون الفقراء ولو في مدة انتظار الرخصة للسفر، أما نيتهم فكانوا يريدون تحجيري عن السفر بكل وسيلة، وممن كان يشتد حرصه على بقائي بهذا الوطن الصادق العزيز ولي الله : أحمد بن ثريا، رضي الله عنه ورحمه، فقد بذل وسعه في ذلك رغبة منه ومحبة في الله لا غير، ومن جملة صنعه أن زوجني ابنته لا على شرط، مع علمه أني كنت عازماً على الذهاب، فقبلنا ذلك منه بكل سرور، وأصدقناها صداقاً ميسوراً، ومن سوء الحظ أنها لم تتوفق للمعاشرة مع الوالدة، كان ذلك بعدما مضت المدة، فاشتدت حيرتي لما كنت عليه من مراعاة إسعاف الوالدة رحمة الله عليها، وقد كنت ساعفتها على عدة نوازل أشبه شيء بهاته النازلة، غير أنها في هذه المرة كبُر علي ما استصغرته في غيرها من جهة الفراق. أما التوفيق بين الجانبين فقد كان يظهر بعيداً جداً، ولما رآى الصهر المذكور ما آلمني من الحيرة في ذلك الشأن، عرض علي جانب الفراق، وطلبه مني بإلحاح قائلاً : "لا يصلح بك إلا مراعاة حق الوالدة، أما حق الزوجة يصح فيه أن يُقال :(وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته)، وكل ذلك لا يثير أدنى شيء في مودتنا إن شاء الله". وكنت أعلم الصدق منه، غير أن عواطفي لم تسمح بذلك، ولما قضى الله به عليّ على كره من الفريقين، كان لي نصيب وافر من الأسف، وليس هو بأكثر مما كان للصهر المذكور، ولكن على مراد الله، وكل ذلك لم ينقص من الصداقة بيننا إلى أن لقي الله ذلك الرجل المبرور على أتم مودة فشكراً لعواطفه، ما أجملها في طريق الله! ومما هو أشبه بهذا ما وقع بيني وبين حضرة العارف بالله سيدي (حمادي بن قاري مصطفى)، فقد قضى الله بالفراق مع إحدى الزوجات من عائلته، وكان هو المتولي شؤونها، فإني والله ما رأيته ولا سمعته منه ما يقرب من الصهر الأول، وإن الصداقة دامت بيننا إلى الآن والحمد لله، زاد الله روابط المحبين في الله. أما السبب في هذا الفراق فهو ما خامر العقل في ذلك الحين من الإشتغال بالعلم أولاً، وبالذكر ثانياً، فضاع حق الزوجة فيما بين ذلك، وكاد أن يضيع حق العائلة تماماً، وهكذا قضى الله علينا بمفارقة أربع زوجات، وما كان ذلك مني لسوء المعاشرة، ولذلك لم تعتبره الأصهار مني سيئة، فجميعهم إلى الآن على التعريف السابق، والذي يزيد في الإستغراب، أن بعض الزوجات سمحن في بقايا مهورهن من بعد الفراق. وبالجملة فإن كان هناك شيء من التقصير فأكون أنا به أحرى، ولكن ما تعمدناه. ثم أقول أنه لما انقضى نظر الفقراء أن لا يسمحوا لي بالذهاب، وساعدتهم الأقدار على ذلك، فعزموا على اجتماع عمومي يكون بزاوية الأستاذ رضي الله عنه، ولما وقع الإجتماع تحت أنظار كبار الفقراء، وكان من جملتهم حضرة العارف بالله سيدي (الحاج محمد بن يلّس التلمساني) المهاجر الآن بمدينة دمشق بالشام، فتولى خطاباً يذكر ما يحتاج إليه المقام، ثم وقعت البيعة من جميعهم قولاً، وهكذا استمرت على ذلك من أكابر الفقراء، أما المبتدءون فكانت تؤخذ منهم بعد ذلك بالمصافحة، أما من كان من أتباع الطائفة خارجا عن البلاد، فإني ما كاتبت أحداً منهم، ولا ألزمتهم بالرجوع إلينا، حتى أخذت بعد ذلك تتوارد علينا طوائف الفقراء مختارين معترفين، يشهدون على أنفسهم، ويُخبرون بما سمعوه من الأستاذ، أو حصل لهم من قبيل الإستعداد، وهكذا إلى أن انضم سائر أفراد الطافئة، ولم يبق منها إلا اثنان أو ثلاثة، وكان يعد ذلك الإنضمام من الفقراء كرامة، لأنه لم يكن بيدي من الأسباب والدواعي الخارجية ما يستلزم الإحاطة بافراد مختلفي الفقاع، إلا ما لديهم من اليقين الصرف من جهة ما كنت عليه من المكانة مع الأستاذ في هذا الشأن، وكانت ثابتة الدعائم من جهة معرفة الحق، والإعتراف به كيفما كان، وهكذا كان يمكنهم من ذلك حتى كان فيهم سجية والحمد لله، وبعد ذلك أخذت طوائف الفقراء تتوارد على كما تقدم، فأخذنا بيعتهم وأوصيناهم بما ينفعنا وإياهم، وكنت أنفق على الزوار في ذلك الحين مما كان تحت يدي من الأثمان المستعد به للهجرة، وما كنت آخذ منهم شيئاً، وهكذا كانت نفسي لا تطمأن للأخذ من الناس، فبقيت بعد ذلك متحيراً لم أدر ما العمل، ولا أين توجدمرضات الله، هل في الإنتقال حسب اللزوم، أم في قطع النظر عن ذلك، والإشتغال بتذكير الفقراء حسب المحتم، إلى أن قضى الله بزيارتي لدار الخلافة فألقى في باطني ذات يوم شيء من الإقباض، ودام علي، فأخذت أتسبب فيما ينشرح به صدري، فظهر لي أن أزور بعض الفقراء خارج البلد بنحو أربعين ميلاً، فأخذت بيدي أحد الطلبة كان في ضيافنا يدعى الشيخ (محمد بن قاسم البادسي الفاسي) وسرنا على بركة الله، وعندما وصلنا المحل المقصود ظهر لنا لو أننا زرنا بعض الفقراء بمدينة غليزان فكان ذلك، وبعدنا قضينا في زيارتهم نحو اليومين، قال لي رفيقي :"لو أننا وصلنا لمدينة الجزائر بما أن لي فيها بعض الأحبة، زيادة على ذلك نباشر بعض المطابع فربما يتيسر طبع (المنح القدوسية) على المرشد المعين لأنها كانت بأيدينا في ذلك الوقت، فساعفته على ذلك ولم يكن لنا من الفقراء بالجزائر أحد، وعندما وصلنا اشتغل رفيقي بملاقاة صديقه، غير أنه لم يرق في نظره ذلك الإجتماع، وبتلك المناسبة قال لي :"إن البلاد التي لم يكن فيها الفقراء فهي خالية، بما كان يلقاه مما جبلت عليه الفقراء من الملاطفة وحسن الإقبال، وبعدما باشرنا بعض المطابع ظهر لنا عدم التهيء لذلك الأسباب، فقال لي رفيقي أيضاً :"لو أننا ذهبنا إلى مدينة تونس لكان الأمر فيها متيسراً من كل الوجوه. وكنت أقوم أنا بتصحيح وبمراجعة الطبعة، وبما هو من ذلك القبيل، فساعفته على ذلك وسرنا من بلد إلى بلد إلى أن دخلنا إلى مدينة تونس وما كنت أعرف بها أحداً من الذاكرين إلا رجلا حاملاً لكتاب الله كفيف البصر، يدعى السيد (الحاج العيد) كان يمر علينا بمستغانم إذا جاء زائراً لأستاذه بناحية المغرب، وكنت أعرف أيضاً أحد العلماء الأعيان السيد (صالح الشريف) كنت اجتمعت به في زيارتي الأولى لمدينة تونس بمطبعة أحد الصحفيين، والسيد (الحسن بن عثمان) مدير جريدة الرشدية وكان سبب اجتماعنا تقديم كتاب لنا يُسمى "مفتاح الشُّهود" للطبع، وقد اعتبر حضرة المُشار إليه هذا الكتاب اعتباراً زائداً، أما الشيخ سيدي (صالح) فقد وجدته مهاجراً في ذلك الحين. وأما من كانت تربطنا بهم وصلة الوطن من المهاجرين بمدينة تونس فجماعة كبيرة، وما قصدت الإجماع بأحد منهم، ولهذا دخلنا إلى تونس على حين غفلة، فاكترينا محلاً للنزول فيه، وألزمتُ نفسي على ألا أخرج حتى يأتي إلينا أحد الذاكرين نخرج معه، كان ذلك بسبب رؤيا رأيتها، جاءت أناس من المنتسبين ودخلوا إلى المحل الذين أنا فيه، ثم أخرجوني إلى محلهم، ولما ذكرت ذلك إلى رفيقي كبر ذلك عليه، وقال لي : "أنا ما جئت لأقعد بين الجدران". فكان يخرج ليقضي لنا بعض الأمور ويجول في بعض المواطن ثم يرجع، وبعدما قضينا في ذلك المنزل أربعة أيام دخلت علينا تلك الجماعة التي رأيتها في المنام، وإذا هم أفراد من أتباع الشيخ سيدي (الصادق الصحراوي) رضي الله عنه، وقد كان توفي قبل ذلك بأشهر، ونسب هذا الشيخ في طريق الله يتصل بالشيخ سيدي (محمد ظافر) عن أبيه سيدي (محمد المدني) وهو عن الشيخ سيدي (مولاي العربي الدرقاوي) رضي الله عن جميعهم.

الصفحة 4 من إجمال 6

الصّفحة الأولى << الصّفحة السابقة الصّفحة التالية >> الصّفحة الأخيرة