بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَََ
الصّفحة العربيّــة
Portugus - Brazil Espanol - Chile Français English

حياة الشيخ مولاي أحمد بن مصطفى العلاوي بقلمه

الصّفحة 3

ثم أقول أن المسلك الأخير الذي ذكرناه عن أستاذنا رضي الله عنه، هو الذي اعتمدناه في طريقنا، وسيرنا عليه أكثر أتباعنا، بما أنّا وجدناه أقرب المسالك في طريق السيرإلى الله، هذا وبعدما استنتجت ثمرة الذكر التي هي المعرفة بالله على طريق المشاهدة، ظهر لي تقصيري فيما كنت عليه من جهة معلوماتي في فن التوحيد، وذقت حينئذ ماكان يشير إليه الأستاذ، وبعد ذلك أمرني أن أشتغل بحضور الدروس التي كنت أحضرها قبل، ولما أخذت في حضورها وجدت نفسي على غير ما كنت عليه من الفهم، وصرت أتلقف المسألة قبل أن يُتم الشيخ تصويرها، ثم أستنتج فهما زائداً على ما يعطيه ظاهر اللفظ، وبالجملة إني وجدت فهماً لا مناسبة بينه وبين ما كنت عليه من قبل، وهكذا أخذت تتوسع عندي دائرة الفهم، حتى كنت إذا قرأ القارئ شيئاً من كتاب الله تسبق مشاعري إلى حل معانيه بأغرب كيفية في زمن التلاوة، ولما تمكن ذلك مني، وتحكَّم تحكُّم الطبيعيات، خشيت أن أدخل تحت تصرف ذلك الوارد الملازم، فأخذت في كتابة ما يُمليه الضمير في كتاب الله، فأُخرجه في صبغة ليست مألوفة، بما أني كنت تحت تصرف ذلك الوارد، وهذا هو الذي حملني في البدإ على (شرح المرشد المعين بطريق الإشارة)، تحاشياً مني أن أقع فيما هو أبلغ عبارة. فكان ذلك والحمد لله سبباً في رد هجومات ذلك *** ص8 الذي حاولت إيقافه بكل معنى، وما استطعت، وعند ذلك وقف الفهم مني فيما يقرب من الإعتدال، وقد كان وقع لي مثل ذلك أيضاً قبل أن أجمع الكتاب المُسمى (بمفتاح الشهود في مظاهر الوجود)، الذي هو في الهيأة، تعلقت همتي بالعلويات لأسباب، وطاش سهم الفكر والحديث يطول. وقد نبهنا على شيء من ذلك في الكتاب نفسه، وبما أني كنت لا أستطيع دفع ذلك التيار، اشتكيت إلى الأستاذ رضي الله عنه فقال لي : "انزعه من دماغك، وضعه في كتاب فإنك تستريح من ذلك". فكان الأمر كما ذكر، والكتاب إلى الآن لم تسمح نفسي بنشره، والله يعلم بما في المستقبل.

ثم أعود لما كنت بصدده فأقول : ولما فرغت من الإشتغال بالإسم الذي كنت كلفته على سبيل اللزوم، وما كان ذلك إلا بعد أيام طوال، قال رضي الله عنه : "ينبغي لك الآن أن تحدث وترشد الناس إلى هذه الطريق، حيث إنك على يقين من أمرك". فقلت له : "وهل ترى أنهم يسمعون لي؟" فقال : "إنك تكون مثل الأسد، مهما وضعت يدك على شيء إلا أخذته". فكان الأمر كما ذكر، وكنت مهما تكلمت مع أحد وعقدت العزيمة على انقياده للطريق إلا وانقاد لكلامي، وعمل بإشارتي، حتى انتشرت تلك النسبة والحمد لله. وقد كنت سألته مرة عن أمره إياي بالتحدث، بعد أن كان أمرني بالسكوت أولاً. فقال لي :"كنت عندما قدمت من المغرب تكلمت بهذا الفن كما كنت قد تكلمت به من قبل، ولما واجهني الوجود بالإعتراض، رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسكوت، ومن ذلك العهد وأنا ساكت حتى كدت أن أحترق، وقبل اجتماعي بكم رأيت كأن جمعاً من الفقراء وما من واحد منهم إلا وسُبحتي في عنقه ولما أفقت استفدت من الرؤيا ما يُشعر بحركة في المستقبل، ولهذا قبلت منكم نشر الدعوة، وإلا لما تجاسرت أن آذن لكم في الإعلان، وفي هذه الأيام الأخيرة رأيت من يقول لي : تحدث ولا حرج". ولعله كان يعني بالقائل له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والله أعلم. وهذا ما كان من أمر بدايتنا، ثم دمنا على صحبته خمسة عشر من السنين، عاملين في كل ذلك على نصرة الطريق، وقد وازرني على ذلك عدة رجال، فما بقي من كبارهم إلا ما يقرب من العشرة أمدّ الله في حياتهم وزاد في عنايتهم، آمين. أما أنا فقد كنت في طريق تلك المدة متفانياً في خدمة الشيخ، وعاملاً على بث الطريق، حتى كنت أهمل بعض الضروريات من الأشغال، ولولا صحبة المقدم ولي الله سيدي "الحاج بن عودة بن سليمان" الذي كان يحافظ لي على ماليتي، ويضبطني من جهة تجارتي، لقضيت عليها من أصلها، وبما كنا عليه من التفنن في خدمة الطريق، حتى كاد يظهر محل تجارتنا بصفة زاوية، أكثر من أنه كان به التدريس ليلاً، والذكر به نهاراً، وكل ذلك لم ينقص والحمد لله من ماليتنا، ولا قضى بتقصير في تجارتنا.

ثم أنه قبل وفاة الأستاذ رضي الله عنه ألقى الله في قلبي حب الهجرة فأخذت أتسبب في الإنتقال إلى جهة المشرق بكل وسيلة، بما كنت أرى عليه الوطن من فساد الأخلاق، وكانت جماعة من أصدقائي على هذه النية، ومع أني كنت على علم من أن الأستاذ لا يسمح لي بمفارقة الوطن إلا إذا كان مُصاحبا لنا، ولكن حملتني إلى ذلك دواعي متعددة، وبعد ما شرعت في سبب الإنتقال، وباشرت الأعمال، وكان ذلك قبل وفاته بأيام، وقد تجردت من جميع الشواغل، وبعت ما بكسبي، ورهنت ما تعذر بيعه من العقار بقصد أن يتكلف الغير ببيعه بعد الذهاب، وقد كان سبقني في السفر أبناء عمي، وعندما كنت على وشك السفر إذ الأستاذ رضي الله عنه اشتد به المرض، وظهرت عليه بشائر الرحيل، فلم تسمح نفسي بمفارقته وهو على تلك الحالة، وهكذا لم يسمح أصدقائي بذلك، وكان الأستاذ رضي الله عنه في ذلك المرض معقود اللسان عن النطق مع سلامة الفهم.

أما أنا فالأمر الذي كان يؤلمني بكثرة هو ما تشعب علي من الأعمال التي يتعذر تطبيقها، منها ما كان عليه الأستاذ من المرض الذي يستلزم المكث معه، ويُباينه ما كان بيدنا من رخصة السفر مع الأهل، وكان الأجل المضروب لها على انقضاء، وإذا تم ذلك فلا تُسخر من بعد، ويكون الضرر أشد، بما أن الرخصة يتعذر صدورها في ذلك الحين، ولما كنت عليه أيضاً من تعطيل الأسباب وبيع الأثاث، وبالجملة فكأني كنت في بلد غير بلدي، وقبل ذلك كنت بعثت الزوجة إلى أهلها بمدينة تلمسان لتُوادعهم، وكيفما كان الحال، اخترت أن أترك الأستاذ على آخر نفس وأذهب بعدما قضيت معه خمس عشرة سنة أُحافظ على بره، وما كنت عققته بشيء ولو قل، ولم تمر أيام قلائل حتى انتقل الأستاذ إلى رحمة الله، ولم يخلف عقبه لا إبنا إلى الجذب أقرب منه إلى الشعور، يُدعى سيدي مصطفى، وهكذا خلف زوجة وأخوين أحدهما السيد الحاج أحمد وهذا الآن متوفي، والآخر يدعى السيد عبدالقادر ولم يزل في قيد الحياة.

أما الشيخ رضي الله عنه فقد كان يُحب أهله محبة فارطة، ولاأخص ابنه سيدي مصطفى المذكور، وقفد رأيته رضي الله عنه عند وفاته يمد البصر إلى ابنه بما يعلمه من جذبه، وكان يخشى أن يُهمل بعده، ولما علمت ذلك منه قلت له :"اكفنا أنت يا سيدي ما أهمنا من جهة الله تعالى، ونحن نكفيك من جهة سيدي مصطفى ما أهمك"ز فرأيت السرور يلوح على وجهه، وكان الأملر كذلك، فدمنا على الإحسان والملاطفة مع ابنه، وكان لا يثقل علينا شيء من أحواله التي كانت تثقل على غيرنا، إلى أن توفي رحمة الله عليه، ولم يُخلف إلا بنت فقمنا على مراعاتها أيضاً إلى أن تزوجت، وهي الآن تحت أحد الأتباع إسمه السيد ... وفقه الله إلى كمال البرور معها ومراعاة احترامها، ومازلنا نحن في مراعاة الإحسان لها، وفقنا الله وإخواننا لمثل ذلك. أما زوجته فقد تزوجت من بعده، ومع ذلك فإني أجد من نفسي مُراعاتها واحترامها، أصلح الله أمر الجميع.

الصفحة 3 من إجمال 6

الصّفحة الأولى << الصّفحة السابقة الصّفحة التالية >> الصّفحة الأخيرة