بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَََ
الصّفحة العربيّــة
Portugus - Brazil Espanol - Chile Français English

حياة الشيخ مولاي أحمد بن مصطفى العلاوي بقلمه

بســم الله الرحمن الرحيــم

قال رضي الله عنه :"أما صناعة الكتابة فلم نتعاطاها، ولا دخلت الكتاب ولو يوماً واحداً، إلا ما استفدته من أبي رحمة الله عليه، عندما كان يُلقي علي بعض لدروس قرآنية بدارنا، وإلى الآن لم نحصل على القدر الكافي منها، وانتهى بي الحفظ في كتاب الله إلى سورة (الرحمن)، فبقي اللوح على تلك السورة، بما اشتغلت به في ذلك الحين من تعاطي بعض الأسباب التي دعتني إليها الضرورة، بما أن العائلة أعوزها ما كان بيديها، وكان الأب رحمة الله عليه رفيع الهمة، متعففا للغاية، لا يُبدي صفحات وجهه لأي أحد كان، بحيث أنه لا يظهر عليه سمة الإحتياج البتة، فترددت بين عدة مهن، و في الآخر لازمت صناعة الخرازة، فمهرت فيها وتوسع الحال من أجلها، فبقيت عليها سنوات إلى أن انتقلت إلى التجارة، و كنت فقدت الأب على رأس السنة السابعة عشر من سني، فذهب إلى عفو الله وهو عني راضٍ، وكنت مع صغر سني أستعمل معه سائر أنواع البُرور، ولا غاية نُحاولها أكثر من إدخال السُّرور عليه، وكان يُحبني حبّاً مفرطاً، ولم نعقل عنه أنه نهرني أو ضربني إلا في أوقات تعليمه إياي، كان ذلك منه بما أني كنت متراخيا في القراءة. أما الوالدة رحمها الله فكانت أشد من الوالد تفنُّنا في محبتي، وأقوى تحفظاً على سلامتي، حتى كانت تمنعني ليلاً من الخروج بما أمكنها من نحو الشتم والضرب و غلب الباب و غير ذلك، لكن بعد وفاة الأب وكم كنت أحاول إسعافها، ولكني لم أتوقف عما كنت أحافظ عليه من ملازمة بعض الدروس ليلاً، وبعض اجتماعات للذكر، وكان ذلك منها بمناسبة سكنانا خارج البلد، و الطريق مخوف والمشي بالليل على المنفرد متعذر، وهكذا دامت رحمة الله عليها على منعها إياي ودمت أنا على حضور تلك المجالس، إلى أن من الله علينا برضاها الأوفى، فصفت المودة بيني وبينها، ودامت على ذلك إلى أن انتقلت إلى رحمة الله عام 1332هـ - 1914م، وأنا على سن الستة والأربعين سنة، وكنت في جميع تلك المدة على أتم محافظة من جهة برها، والحمد لله، والله ولي التوفيق.

أما ملازمتي للدروس فلم تكن ملازمة تُعتبر بما أنها كانت تقع خلال أوقات الإشتغال وأوقات متفرقة، ولولا القريحة وملكة الفهم، ما كنت أتحصل منها على شيء يُذكر، غير أني كنت نديم المُطالعة، وقد نستغرق الليل بتمامه، وكان يُعينني على ذلك بعض المشايخ كنت أصحبه لمنزلي، ودمنا على ذلك مدة شُهور حتى تضرر بذلك بعض الزوجات، وطلقن علينا بدعوى عدم القيام بحقوقهن، وقد كان شيء من ذلك، وكيفما كانت الملازمة للدروس فإنها لم تبلغ حد السنتين، ولكني مارست فيها بعض فنون زيادة على ما اكتسبته من ملكة الفهم، ولكن ما تفتق ذهننا وتوسعت معلوماتنا حتى اشتغلنا بعلوم القوم، وصحبتنا لرجال الفن.

فقلت له لا بأس لو أطلعتمونا على سبب الإشتغال بهذا الفن، وماهو أول قدم كان لكم في صحبة أهل الطريق؟

فقال : أول ميل كان وقع لي لأهل النسبة على الإجمال، تعلقي بأحد الرجال من السادات العيساوية، كنت أراه متعففا يظهر عليه أثر الصلاح، وبعد ذلك اشتغلت بما تقتضيه تلك النسبة اشتغالاً كُلياً، وأعانني على ذلك حالة الصِّبا، وما عليه الطبع الفطري من جهة ميله للخوارق، وقد مهرت في ذلك وكانت لي حظوة بين رجال تلك النسبة، وكانت عقيدتي فيما أتعاطاه إلا التقرب إلى الله عز وجل جهلاً منّي، ولما أراد الله أن يُلهمني، كنا ذات يوم ببعض اجتماعاتنا فرفعت نظري إلى ورقة كانت في حائط ذلك المنزل، فوقع بصري اتفاقاً على كلام ينسبه صاحبه حديثاً، فاستفدت منه ما ألزمني بترك ما كنت أتعاطاه من الخوارق، وألزمت نفسي على أن أقتصر في تلك النسبة على ملا كان من قبل الأوراد والأدعية والأحزاب، ومن ذلك الحين أخذت أتنصل وأعتل للجماعة، إلى أن تركت جميع ذلك، وكنت أُريد أن أزحزح الجماعة بتمامها، ولكنه لم يتيسر. أما أنا فتنصلت كما كانت نيتي، ولم يبق لي من ذلك إلا أخذ الحية، فقد استمريت على أخذها بانفرادي، أو مع بعض الأحباب، إلى أن اجتمعت بالأستاذ الشيخ سيدي "محمد البوزيدي" رضوان الله عليه. فقال لي ذات يوم وهو عندنا بدكاننا : إنه بلغني أنك تأخذ الحية ولا تخشى من لسعها. فقلتُ له : نعم، كذلك كنت. فقال لي : هل يمكنك الآن أن تأتينا بواحدة فتأخذها بحصورنا؟ فقلت له : مُتيسر. وذهبت من حيني إلى خارج البلد، وبعد ما مر علي نصف يوم لم أجد إلا واحدة صغيرة يقرب طولها من نصف ذراع، فجئت بها ثم وضعتها بين يديه، وأخذت أقلب فيها كما هي عادتي، وهو ينظر رضي الله عنه إلى ذلك، ثم قال لي : هل تستطيع أن تأخذ أكبر من هذه الحية مما هو أكبر منها جرما؟ فقلت له : إنها عندي على السواء، فقال لي : ها أنا أدلك على واحدة أكبر وأشد منها بأساً، فإن أمسكتها وتصرفت فيها فأنت الحكيم. فقلت له : فأين هي؟ فقال : نفسك التي بين جنبيك، فإن سمها أشد من سم الحية، فإن أمسكتها وتصرفت فيها فأنت الحكيم. ثم قال لي : اذهب وافعل بهاته الحية ما هو عادتك أن تفعل بها ولا تعُد لمثل ذلك. فخرجت من عنده، وأنا أتخيل في شأن النفس وكيف يكون سمها أشد بأساً من سم الحية.

وأما اجتماعي بالأستاذ المذكور رضوان الله عليه وأمدنا الله من فيوضات أسراره، فإني كيفما تأملته إلا وأجده محض توفيق من الله عز وجل، فإننا ما سافرنا إليه ولا قصدناه لمحله، بل هو الذي زارنا لمحلنا على حين غفلة. كنت أتذاكر مع شريك لي في التجارة وهو الأخ المرحوم المقدم سيدي "الحاج بن عودة بن سليمان" ونتفاوض دائماً في شأن الصالحين وأحوال العارفين، ونرى من الواجب المتحتم اتخاذ قدوة في طريق الله على الشرط المقرر بين أهل الفن، ولكن كنا نستبعد الحصول على من هو بتلك الصفة المقررة، وعلى كل حال فقد كنا بصدد البحث، إلى أن وفق الله ذات يوم رفيقي فقال لي : كنت أعرف أحد المشايخ يدعى "حمو الشيخ" شريف النسب، كان مهاجراً بناحية المغرب سنين، وعندما تعلقت به جماعة، وقد كان تكلم في طريق القوم غير أنه سلط الله عليه من يُؤذيه، وتوجهت عليه الإعتراضات. أما الآن فهو كأحد الطلبة خاملاً لا يُرى عليه شيء من ذلك، وفي ظني أنه يكون ذلك الرجل ممن يُعتمد عليه في طريق الله، حسبما دلت عليه سُنة الله في خلقه، ما من مرشد ظهر إلا سلط الله عليه من يُؤذيه، إما من بين يديه أو من خلفه. قال لي كلاماً هذا معناه، وعند ذلك عقدنا العزيمة على الإجتماع به اعتماداً على ما ذكره رفيقي، أما أنا فما كنت أعرفه سوى يوم سمعت باسمه في حال الصغر بمناسبة مرض كان أصابني فجيء إلي برُقية، فقيل لي : هذا من عند سيدي "حمو الشيخ البوزيدي"، فاستعملتها فعوفيت من ذلك.

الصفحة 1 من إجمال 6

الصّفحة التالية >> الصّفحة الأخيرة